تفرد سماحة الإمام عبدالعزيز رحمه الله بصفات عديدة لا تكاد تجتمع في رجل واحد إلا في القليل النادر، ومن أبرز تلك الصفات ما يلي:
1 - الإخلاص لله - ولا نزكي على الله أحداً - فهو لا يبتغي بعمله حمداً من أحد ولا جزاءً، ولا شكوراً.
2 - التواضع الجم، مع مكانته العالية، ومنزلته العلمية.
3 - الحلم العجيب الذي يصل فيه إلى حد لايصدقه إلا من رآه عليه.
4 - الجلد، والتحمل، والطاقة العجيبة حتى مع كبر سنه.
5 - الأدب المتناهي، والذوق المرهف.
6 - الكرم والسخاء الذي لا يدانيه فيه أحد في زمانه فيما أعلم، وذلك في شتى أنواع الكرم والسخاء، سواء بالمال أو بالوقت، أو الراحة، أو العلم، أو الإحسان، أو الشفاعات، أو العفو، أو الخُلُق، ونحو ذلك.
7 - السكينة العجيبة التي تغشاه، وتغشى مجلسه، ومن يخالطه.
8 - الذاكرة القوية التي تزيد مع تقدمه في السن.
9 - الهمة العالية، والعزيمة القوية التي لا تستصعب شيئاً، ولا يهولها أمر من الأمور.
10 - العدل في الأحكام سواء مع المخالفين، أو الموافقين.
11 - الثبات على المبدأ، وعلى الحق.
12 - سعة الأفق.
13 - بُعْد النظر.
14 - التجدد؛ فهو - دائماً - يتجدد، ويواكب الأحداث، ويحسن التعامل مع المتغيرات.
15 - الثقة العظيمة بالله - جل وعل - .
16 - الزهد بالدنيا، سواء بالمال أو الجاه، أو المنصب، أو الثناء، أو غير ذلك.
17 - الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها، فلا يكاد يعلم سنة ثابتة إلا عمل بها.
18 - بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا.
19 - الصبر بأنواعه المتعددة من صبر على الناس، وصبر على المرض، وصبر على تحمل الأعباء إلى غير ذلك.
20 - المراعاة التامة لأدب الحديث، والمجلس، ونحوها من الآداب.
21 - الوفاء المنقطع النظير لمشايخه، وأصدقائه، ومعارفه.
22 - صلة الأرحام.
23 - القيام بحقوق الجيران.
24 - عفة اللسان.
25 - لم أسمعه أو أسمع عنه أنه مدح نفسه، أو انتقص أحداً، أو عاب طعاماً، أو استكثر شيئاً قدمه للناس، أو نهر خادماً.
26 - وكان لا يقبل الخبر إلا من ثقة.
27 - يحسن الظن بالناس.
28 - قليل الكلام، كثير الصمت.
29 - كثير الذكر والدعاء.
30 - لا يرفع صوته بالضحك.
31 - كثير البكاء إذا سمع القرآن، أو قرئ عليه سيرة لأحد العلماء، أو شيء يتعلق بتعظيم القرآن أو السنة.
32 - يقبل الهدية، ويكافئ عليها.
33 - يحب المساكين، ويحنو عليهم، ويتلذذ بالأكل معهم.
34 - يحافظ على الوقت أشد المحافظة.
35 - يشجع على الخير، ويحض عليه.
36 - لا يحسد أحداً على نعمة ساقها الله إليه.
37 - لا يحقد على أحد بل يقابل الإساءة بالإحسان.
38 - معتدل في مأكله ومشربه.
39 - دقيق في المواعيد.
40 - كان متفائلاً، ومحباً للفأل.
هذه نبذة عن بعض أخلاقه،
عظيم تواضعه:
التواضع هو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة للخلق، ومنشأ التواضع من معرفة الإنسان قدر عظمة ربه، ومعرفة قدر نفسه، فالشيخ - رحمه الله - قد عرف قدر نفسه، وتواضع لربه أشد التواضع، فهو يعامل الناس معاملة حسنة بلطف ورحمة ورفق ولين جانب، لا يزهو على مخلوق، ولا يتكبر على أحد، ولا ينهر سائلا، ولا يبالي بمظاهر العظمة الكاذبة، ولا يترفع عن مجالسة الفقراء والمساكين، والمشي معهم، ومخاطبتهم باللين، ولا يأنف أبدا من الاستماع لنصيحة من هو دونه، وقد طبق في ذلك كله قول الله: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولا يبغي أحد على أحد أخرجه مسلم ( 2865 ).
ومما يندرج تحت هذا الخلق خلقا: السكينة والوقار، وهما من أبرز صفات الشيخ - حفظه الله - وهما أول ما يواجه به الناس سواء القرباء أو البعداء، جلساءه الأدنين أو زواره العابرين، فإن الناس ليتكبكبون حوله أينما وجد، في المسجد، في المنزل، في المكتب، وإنه ليصغي لكل منهم في إقبال يخيل إليه أنه المختص برعايته، فلا ينصرف عنه حتى ينصرف هو، ومراجعوه من مختلف الطبقات، ومن مختلف الأرجاء، ولكل حاجته وقصده، فيقوم الشيخ - رحمه الله - بتسهيل أمره، وتيسير مطلبه، ولربما ضاق بعضهم ذرعا عليه، بكلمات يرى نفسه فيها مظلوما فما من الشيخ -رحمه الله إلا أن يوجهه للوقار والدعاء له بالهداية والصلاح، إنها والله صور صادقة، بالحق ناطقة، تدل على تواضع جم، وحسن سكينة، وعظيم أناة وحلم، وكبير وقار.
ومما يؤكد تواضعه - رحمه الله - تلبية دعوة طلابه ومحبيه في حفلات الزواج الخاصة بهم، ويحضر حضورا مبكرا، ويطلب من أحد الإخوان قراءة آيات من القرآن الكريم، ثم يقوم بتفسيرها للجميع، هذا دأبه والغالب عليه في حضوره للولائم - رفع الله قدره -.
كرمـــــه
الكرم صفة محمودة، ومنقبة جليلة، وأكرم الورى على الإطلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أجود بالخير من الريح المرسلة - وخاصة في رمضان -.
والكرم في اصطلاح العلماء وهو التبرع بالمعروف قبل السؤال، والإطعام في المحل، وإكرام السائل مع بذل النائل.
والشيخ عبد العزيز - رحمه الله - كرمه معروف مشهور، وكرمه كرم أصيل لا تكلف فيه ولا تنطع، وقد سماه بعض محبيه حاتم الطائي في هذا العصر، فمائدته لا تخلو من ضيوف أبدا، يلتقي عليها الصغير والكبير، والغريب والقريب، وما أظن طعاما له خلا من عديد الضيفان حتى لكأنه هو القائل:
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا سفر أو جار بيت فإنني أخاف مذمـات الحوادث من بعدي
وهذه الصفة مما انفرد سماحته - حفظه الله - دون غيره من العلماء، فهو كريم وكرمه يتمثل في أمور عدة:
أولا: عطاءه المستمر للفقراء والمحتاجين والمساكين فهو لا يرد طلبا، ولا يمسك شيئا من ماله لا قليلا ولا كثيرا، وربما مر عليه بعض الأشهر يستدين على راتبه، ولربما باع أغراضا مهمة لإنفاق قيمتها في سبيل الله.
ثانيا: يتمثل كرمه في أنه ما يدنو وحده إلى طعامه، ولا يأكل منفردا وحيدا، وإنما إذا حضر طعامه أحضر الناس على طعامه وسفرته، ويحضر العلماء والطلبة والمفكرون والأدباء والعامة وعابري السبيل والفقراء والمساكين، فيحيي الجميع ويرحب بهم أطيب الترحيب، ثم إذا أراد أحدهم أن يستعجل قال: كل باختياره لا ينظر أحد إلى أحد ويقول لمن دعا الله له، جعل الله فيه العافية.
بمثل هذه الأخلاق الرضية، والصفات الحميدة، حصل للشيخ طيب الذكر، وحسن الأثر، لا في الرياض وحدها، ولا في المملكة فحسب، ولا في العالم العربي ولكن في جميع العالم كله، وهناك - ولله الحمد والمنة - إجماع أو شبه إجماع على حبه وعلى أنه البقية الباقية الثابتة على طريق السلف الصالح.
وهذه الصور المشرقة التي سقناها عن كرم الشيخ وجوده تعتبر بمثابة دعوة مفتوحة إلى التنافس في الخير، والتسابق في ميادين الفضيلة والبعد عن الشح والحرص والبخل، وذلك أن الإسلام دين يقوم على التعاون والبر والبذل والإنفاق، ويحذر من الأنانية والإمساك ولذلك رغب صلى الله عليه وسلم في أن تكون النفوس بالعطاء سخية، والأكف بالخير ندية، ووصى أمته بالمسارعة إلى دواعي الإحسان، ووجوه البر وبذل المعروف، وإلى كل خلق نبيل.