إن كلمة التجريدية لايمكن تحديد المناسبة التي باشر الفنانون باستعمالها. لقد مرت الصورة الفنية بمراحل مختلفة كان آخرها هذا الفن الذي تخلى نهائياً عن الصورة المألوفة وبنى أشكالاً جديدة على علاقات خالصة لاارتكاز لها على الواقع المألوف .
والواقع أن العمل الفني مؤلف من شيء واقعي أي من لوحة وألوان أو من صخرة ورخام ومن موضوع ، والشيء لاقيمة له دون موضوع فني أي دون إضافة تركيب إنشائي فني ، ولكن هذا الموضوع في نظر التجريديين ليس مطابقاً للواقع ، إذ أنه في هذه الحالة ينعدم دور الفنان الإبداعي وهو الاهم في مجال العمل الفني ، والواقعية هي في نقل الشيء ذاته أما الموضوع فيقوم على الابداع يحاول الفنان التجريدي أن يموضع الشيء أي يدمج الموضوع في تكوينات الشيء وابتدأ منذ أن أصبح لكتلة اللون أهمية عند « سيزان » ثم تطور بخلط الألوان والاتربة عند ( براك ) أو بالصاق المواد المختلفة في اللوحة كأوراق الصحف والأشرطة والزجاج .
وبهذا المعني اتجه اهتمام الفنانين الى الصناعة الفنية أي معالجة المواد العادية وقلبها الى عمل فني كما تم ( لدالي ، براك ) في انتاج حلي تجريدية من مواد عادية .
ومن هنا أصبح الفرق معدوماً بين التصوير والتزيين ، بين الفن التشكيلي والصناعة الفنية وأصبحت الصفة الاستعمالية لأي شيء فني لا تحجب عنه قيمته الابداعية ، وبهذا المعنى يمكن تفسير أهمية الرقش العربي القائم على الزخرفة التجريدية بل أن المؤرخين المعاصرين يعتبرون الرقش العربي كفن مبرراً قوياً لوجود الفن التجريدي الحديث ، ويتجه الفن التجريدي الى قمة الفردية في الابداع الفني ، لقد أصبحت التجريدية فناً يتضمن أساليب لاحصرلها .
ابتدأ التجريدية (كاند ينسكي ) وكان إسلوبه دائراً بين العشوائية والهندسية على عكس اتجاه ( مدونريان ) و( فان دوزبورغ ) اللذين انطلقا من التكعيبية الهندسية .
أما (بول كلي ) فلقد رأى في العالم العربي مجالاً للكشف عن عالم غيبي يعبر عن عواطف صافية وهكذا أطل ( بول كلي ) على صيغ طفولية أو بدائية ولكنها خصبة لم تنضب رغم آلاف المرات التي مر بها في أعماله الوافرة . أما ( مالغيتش ) كان شديد الالحاح في البحث عن المطلق عن طريق الألوان والاشكال المنسقة بإحكام حتى بدا اتجاهه عقلانياً أطلق عليه اسم التفوقية ( (super matisme