من الحماقة, أن تبحث عن السلامة المطلقة من الذنوب, ولكن من الذكاء أن تستغفر وتتوب إلى الله قبل وعند وبعد كل ذنب تقترفه, فمن منا لا يذنب, ومن منا بإستطاعته اللجوء من تلك العثرات, فلو أراد الله هلاكنا؛ لعذبنا بذنوبنا حين إقترافنا لها, ولكن برحمته يمهلنا ويمهلنا حتى نستغفر, إنما نحن في إبتلاء مستمر لا ينقطع, وكل ما علينا فعله هو أن نجاهد أنفسنا, ونحصّنها عن كل مكروه, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من عبد مؤمن إلا و له ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خُلق مفتناً تواباً نسَّاء، إذا ذكر ذكر", وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم".
أستغفروا, فلنا ربُّ كريم ليس لكرمه مثيل, فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن صاحب الشمال –أي المَلَك على يسار العبد- ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطيء, فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها؛ وإلا كُتبت واحدة", فبادر حين إقترافك للذنب بالإستغفار, ولا تتباطيء, ولا تدع لوسوسة الشيطان بأن تُؤثر عليك, بل استغفر واستغفر ولا تقنط من رحمة وكرم الله, ومثال رحمة وكرم ربنا, ما رواه صلى الله عليه عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة".
سبحانك يارب, أحسنت لنا كل الإحسان, وأرضيتنا كل الرضى, وألهمتنا كل ما فيه خير وصلاح لنا, فقد قلت في كتابك الكريم: "مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ" [غافر:40], للجنة فلنعمل, ونجتهد, وفي الجنة نطمع فهي غالية إلا لمن يستحقها, فلنكثر من الإستغفار علّنا أن نكون ممن يستحق دخولها.
يارب كرمك علينا فوق الوصف, ورحمتك بنا قد وسعة كل شيء, ما أكرمك يارب تُعجِّل في إحتساب الحسنة, وتُمهِّل في إحتساب السيئة, تُمهلنا لكي نستغفر وتتبدل السيئة إلى حسنة, تضاعف لنا الحسنات وتُبقي السيئة كما هيَ, ما أرحمك يارب فلو حاسبتنا بذنوبنا لهلكنا, وإنما برحمتك تعطينا ولا تحرمنا, اللهم يارب لا تعاملنا بما نحن أهلٌ له, وعاملنا بما أنتَ أهلٌ له.
يابن آدم لا تأمن مكر الله, ولا تتمادى في التسويف بل أعزم وأعقد النية الآن, فقد قال تعالى: " أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ"[الأعراف:99], فهل يَسرُّك أن تكون من الخاسرين؟, وأحذر من إطالة الأمل, فقد قال الحسن البصري: "ما أطال عبدٌ الأمل إلا أساء العمل", وراجع نفسك في كل يوم وليلة قبل فوات الأوان, فالله يتقرب إليك, وأنت في هروب مستمر, يريد لك الخير وتصعد له بالشر, غنيٌ عنك ويعاملك هكذا, يتكرّم لك وشكرك قليل, ويتفضّل عليك وكفرك كثير, تعرفه عند الحاجة وتنساه عند الراحة, رحمته سبقت غضبه, وكرمه غُرس في كل حي وجماد, وحكتمه قبل كل شيء تسيرنا لما فيه خير لنا.
وأقرأ بتمعّن هذه البشارة الإلهية, قال فيها عز وجل: "وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" ,وقال: "وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِد ِاللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً", ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إذا ألهمك ربك الإستغفار فأعلم أنه يريد أن يغفر لك", فكل ما عليكم فعله الآن, هو الإستغفار ثم الإستغفار ثم الإستغفار, فهذا كرم ربنا ورحمته بنا, فما ننتظر؟
بقلمي: إح ـساس ق ـلب